شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
كل اسم من أسماء الله تعالى يدل على ذاته
وكل اسم من أسماء الله تعالى يدل على الذات. يدل على الذات دلالة مطابقة. فيدل على الصفة التي تضمنها الاسم، ويسمى دلالة تضمن. فالعليم يدل على ذات الله تعالى. إذا قلت مثلا: هذا تنزيل من العليم الخبير، هذا كلام العليم الخبير. فإذا سألت إنسانا من؟ تقول: الله. سألك آخر ما معنى العليم؟ فتقول: العالم بكل شيء. فالأول سألك من العليم؟ فقلت: الله، والثاني سألك عن معناه، فقلت: المتصف بالعلم. فالسؤالان عن معنى كلمة واحدة.
القدير يدل على الذات والقدرة. إن قلت مثلا: هذا كلام القدير. من القدير؟ الله. ما معنى القدير؟ ذو القدرة على كل شيء . الرحيم يدل على الذات والرحمة. إذا قلت مثلا: هذا تنزيل من الرحمن الرحيم. سألك إنسان من الرحمن الرحيم؟ تقول: الله. ما معنى الرحيم الرحمن؟ تقول: واسع الرحمة. فكل اسم منها دل على ذات، يسمى دلالة مطابقة، ودل على الصفة المشتقة منه، يسمى دلالة تضمن.
من أنكر دلالة أسماء الله تعالى على صفاته ممن يدعي الظاهر الذين يدعون الظاهر الذين يأخذون بالظاهر، فقولهم من جنس قول غلاة الباطنية القرامطة. الباطنية طائفة من غلاة الرافضة، يسمون القرامطة نسبة إلى رجل يقال له حمدان قرمط اسم> وذلك لأنه تلقى هذا العلم الذي هو علم الباطن عن أحد دعاة الباطنية فدعا إليه في القطيف اسم> وما حوله، فاعتنقه خلق كثير سموا قرامطة وباطنية. وهم الذين انتشروا وتمكنوا في أول القرن الرابع، وقتلوا الحجاج في سنة ثلاثمائة وسبعة عشر في يوم التروية والناس بمكة اسم> في الحرم المكي اسم> قتلوا خلقا كثيرا، وقلعوا الحجر الأسود، وبقى عندهم اثنين وعشرين سنة، حتى ضعف أمرهم وطولبوا برده فردوه سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة.
هؤلاء القرامطة باطنية. من أقوالهم يقولون: لا يقال الله حي، ولا ليس بحي. تعالى الله عن قولهم بل ينفون الضدين. لا نقول: عليم، ولا ليس بعليم. لا نقول: قدير، ولا ليس بقدير. لا نقول: رحيم، ولا ليس برحيم. فينفون عنه الضدين، حتى إن بعضهم نفوا الضدين المتقابلين اللذين تقابلهما تقابل الوجود والعدم، تقابل السلب والإيجاب حتى قالوا لا موجود، ولا غير موجود. وهذا كفر صريح . وهم موجودون.
موجود لهم بقايا في كثير من الدول. ينفون النقيضين أولئك القرامطة الباطنية لا ينكرون اسما هو علم محض كالمضمرات، وإنما ينكرون ما في أسماء الله الحسنى من صفات الإثبات. لا ينكرون الضمائر، وإنما ينكرون المعاني التي دلت عليها الأسماء. وهم يمحون دلالة كل اسم. فمن وافقهم على مقصودهم كان مع دعواه الغلو في الظاهر موافقا لغلاة الباطنية في ذلك. وليس هذا موضع بسط ذلك. قد توسع رحمه الله في الرد عليهم في كثير من كتبه. حتى المختصرات تعرض بذلك للتدمرية كما قرأتموها.
هذا يقول: المقصود أن كل اسم من أسماء الله يدل على ذاته، ويدل على ما في الاسم من صفاته، ويدل أيضا على الصفات التي في الاسم الآخر بطريق اللزوم. فعلى هذا كل اسم من أسماء الله تعالى له ثلاث دلالات: دلالة على الذات بالمطابقة، والدلالة على الصفة المشتقة منه بالتضمن، والدلالة على بقية الصفات وبقية الأسماء بالالتزام. فإذا قلنا مثلا: الرحمن. الرحمن تدل على الذات اسم من أسماء الله تعالى هذه دلالة مطابقة. الرحمن تدل على صفة الرحمة؛ لأنها مشتقة من الرحمة فهذه دلالة تضمن، يعني أنه يتضمن وصف الله تعالى بالرحمة. وكذلك نقول إذا كان رحيما، وراحما لزم أن يكون سميعا، لزم أن يكون بصيرا، لزم أن يكون حيا، لزم أن يكون كريما، لزم أن يكون غفورا، لزم أن يكون جبارا، لزم أن يكون قهارا؛ لأن الرحمن واسع الرحمة، يلزم وجود تلك الكماليات. فلا يكون رحيما وهو ليس بغني، ولا يكون رحيما وهو ليس بسميع بصير، فهذا يسمى دلالة اللزوم. هذا معنى قوله يدل أيضا على الصفة التي في الاسم الآخر بطريق اللزوم. بين ذلك العلماء في مواضع كثيرة في كتاب شرح الكواشف الجلية شرح الواسطية لابن سلمان اسم> وغيره من الكتب. انتهى من أسماء الله تعالى، يعني باختصار.
مسألة>